Monday, June 20, 2005

الامامه فى الاسلاميه



بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة:
عديده هى التساولات حول جدوى طرح مساله الامامه على اساس اطارها التاريخى الذى مضى عليه الزمن! كما انها قد تصبح منطلقا لاثاره الخلافات من جديد بين اعضاء البيت الاسلامى، وانبعاث الروح الطائفيه التى قد تهدد الوحده الاسلاميه والخط‏ى المتسارعه باتجاهها.
والحقيقه ان مساله الامامه تخترق اطارها التاريخى لتصبح من اكثر المسائل حياتيه ومصيريه، ليس لمحتواها العقائدى فحسب بل لمعطياتها الفكريه فى الحياه الانسانيه، انطلاقا من رويتها السياسيه وجانبها الادارى والقيادى. ومن هنا فهى لا ترتبط بزمن مضى بل انها تواكب الازمنه حاضرا ومستقبلا.
ولاهميتها الفائقه وحساسيتها فقد اضحت وعلى مدى تاريخ الاسلام محورا حيويا للبحث، وكانت واحده من مجالات علم الكلام، وبهذا فاقت غيرها من المسائل الاسلاميه الاخرى.
ان بحث الامامه يكمن فى الصميم من القضايا الاسلاميه، ذلك ان مساله الامامه منطلق مصيرى للامه الاسلاميه محاور عديده: × فالى من يرجع المسلمين فى اخذ احكام الاسلام وحلول المشكلات الفكريه؟ × وبمن يقتدى المسلون بعد غياب النبى(ص)؟ × وما هو شكل النظام الاسلامى ومقومات الحاكم المسلم؟ واذا ما بحثت الامامه فى اطار من الحوار العلمى وفى اجواء من الخلق الاسلامى الرفيع، بعيدا عن كل اشكال التعصب والاساءه، فانها لن تكون باعثا على تاجيج النفس الطائفى، بل سيكون لها الاثر البالغ فى ردم هوه الخلاف والتقريب بين الاتجاهات الاسلاميه المختلفه.
ان روح الاسلام كشريعه ورساله تنطوى على مسووليه بالغه الاهميه وهى مهمه تطبيقها فى واقع الحياه. فمعركه (احد) التى انطوت على درس عسكرى بالغ الاهميه قد انطوت على بعد آخر لا يقل اهميه عن مضمونها الحربى فحسب بل يفوقه بكثير، فالايه الكريمه فى قوله تعالى: (وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم) تستنكر بشده تراجع البعض واستعدادهم للتخلى عن مسووليتهم الاسلاميه الاكيده، فحتى مصرع النبى(ص) لن يكن مبررا لاى كان فى التخلى عن الرساله او الانقلاب عليها. فالايه الكريمه بلهجتها الشديده توكد الحفاظ على النظام الاجتماعى باعتباره ضروره عقليه، وبالتالى استمرار مسووليه الجهاد فى غياب النبى(ص). ولقد اصبحت مساله الحكومه من البديهات لدى المسلمين فيما بعد وهذا ما ظهر جليا خلال الجدل الذى احتدم فى سقيفه بنى ساعده عشيه وفاه النبى(ص). فقد ظهرت مشكله الخلافه، وبرز النزاع داخل البيت الاسلامى ولكن احدا لم يتفوه بعدم ضرورتها. وعلى بن ابى طالب(ع) الذى يعد الافضل فى تسنم هذا المنصب الحساس والذى راى (تراثه نهبا) لم يقف من الخلافه - التى حسمت فى غير صالحه - موقفا سلبيا طيله حياته بل تعاون معهم بالقدر الذى يدعم الكيان الاسلامى ويرسخ جذوره فى الحياه، ولم يسع ابدا فى اضعاف مركز الخلفاء وكان يدعم مواقفهم فى كثير من الاحيان، ومواقفه فى الازمات العاصفه تهتف بذلك. ولقد استنكر(ع) بشده فيما بعد شعار الخوارج: (لا حكم الا للّه) بقوله: كلمه حق يراد بها باطل. نعم انه لا حكم الا للّه ولكن هولاء يقولون: لا امره الا للّه، انه لابد للناس من امير بر او فاجر يعمل فى امرته المومن ويستمتع فيها الكافر ويبلغ اللّه فيها الاجل ويجمع به الفى‏ء ويقاتل به العدو، وتامن به السبل ويوخذ به للضعيف، حتى يستريح بر ويستراح من فاجر). ان مساله القياده من حتميات الاسلام وقد شغلت مركزا حساسا بالغ الاهميه، بحيث يكون القائد فردا معصوما من الخطا مطهرا من الذنوب. ولقد تحقق هذا فى ظلال النبى(ص) الذى كان يجمع بين مسووليتين: اداء الرساله وقياده المجتمع الاسلامى، فهو مبلغ للوحى وحاكم للدوله، مبين للشريعه مسوول عن تنفيذها فى واقع الحياه الانسانيه. ولقد حدث شرخ كبير بعد رحيل النبى(ص) والتحاقه بالرفيق الاعلى ذلك ان الذين تصدوا للخلافه لم يكونوا انبياء ولا ادعوا الاتصال بالسماء، كما لم يدعوا ايضا الامامه فى اطارها المعنوى ومضمونها الروحى، وكانوا يدركون تماما ان مستوياتهم العلميه، والاخلاقيه لا توهلهم ليكونوا ائمه هداه ومثالا للمسلمين. وفى موتمر السقيفه اهملت الامامه تماما كزعامه روحيه، واحتدم الجدل حول الجانب السياسى فيها وقد بلغ حماسهم له ان اهملوا جميع الاعمال والمهام الاخرى وفى طليعتها مواراه الجثمان الطاهر لسيدنا محمد(ص) وهى مهمه تكفلها على بن ابى طالب بشكل اساسى.
وكانت الافكار والتيارات المتصارعه تتخذ من مساله القرابه وبعض الخدمات والاعتبارات القبليه منطلقا فى التاسيس لحق الخلافه.
ولم يتطرق احد الى مساله العصمه، والاعلميه كاساس فى مقومات الخليفه القادم، وهكذا حسمت مساله الخلافه بطريقه انطوت على قدر كبير من المخاطره بحيث عدها عمر بن الخطاب نفسه: (فلته) يتوجب عدم تكرارها فى المستقبل! غير ان هذا الحسم قد ادى ومع بالغ الاسف الى انفجار الاسلام.. ومن الموكد اننا سنجد جذورا لحرب الجمل وصفين وحتى ماساه كربلاء فى تلك البقعه الجغرافيه الصغيره حيث عقد الانصار جلستهم الطارئه فى سقيفه بنى ساعده لمواجهه مستقبل ما بعد الرسول(ص)!
ان من المهم جدا دراسه الرويه الشيعيه التى توكد ان الامامه عهد الهى كما النبوه وان الامام كالنبى معين من قبل اللّه مع فارق واحد هو الوحى، فالنبوه تبليغ للرساله والامامه حراسه لها. وهذا الكتاب الذى بين يديك عزيزى القارى‏ء يقدم وعلى مدى احد عشر درسا مساله الامامه، مستعرضا الرويتين السنيه والشيعيه ومشيرا الى اشكال النظم فى الوقت الحاضر كما ويناقش مساله العصمه، ومنابع علم الامام، والتشيع فى التاريخ الاسلامى، واخيرا دور الائمه الاثنى عشر من اهل بيت النبى(ص). ( ج مركز الغدير للدراسات الاسلاميه الفصـل الاول : موقع القياده فى الاسلام
هل يثير الموضوع اختلافا فى الامه؟ قد يتصور البعض ان طرح هكذا موضوع سوف يثير جدلا بين الشيعه والسنه، وهو تصور خاط‏ى‏ء. ذلك اننا عندما نغض النظر عن الجانب السياسى فى الموضوع، ليكون البحث فى اطاره العلمى فاننا سوف نكتشف ونتعرف اكثر فاكثر روى الفريقين وآرائهم، وهذا مايتيح الفرصه لتضييق هوه الخلاف والاختلاف بين المسلمين. على ان البحث العلمى فى هذه المساله الحيويه سيكون معلما فى طريق حريه الفكر والتعبير عن الراى وسعه الافق لدى الفريقين، وسيزيد من اواصر المحبه ويعزز من علاقات الاخوه والتضامن، هذا اولا، وثانيا: ان الاتحاد فى ظلال الحقيقه ستكون له ثماره المفيده وعطاءه الثر، لان الانطواء على الحقائق وكتمانها والتشبث بالاتحاد الظاهرى لن يكون محورا قويا يمكن ان يشد من روابط الامه ويوحد فئات المجتمع الاسلامى. وثالثا: ان صيحات الفرقه والطائفيه تستلزم صحوه جاده ومعرفه جوهريه بالاسلام وحقائقه، وهو ما ينشده القرآن الكريم فى الاداره والقياده والحكم، وهى اهداف لا يمكننا بلوغها فى اجواء متشنجه وآراء متعصبه لا ترى قيمه للاخر ولا وزنا.
الفصـل الأول
المفهوم العام للامامه:
يتسع مفهوم الامامه ليستوعب المرجعيه الفكريه والزعامه السياسيه والقياده‏الدينيه. والزعامه الدينيه لا تعنى سوى تطبيق حقائق الاسلام فى واقع الحياه ولا تعنى سوى تحقيق الاهداف الانسانيه لرساله الاسلام، تلك الاهداف التى بعث سيدنا محمد(ص) من اجلها وجاهد فى سبيلها. وقد يعنى مفهوم الامامه احيانا زعامه اجتماعيه محدوده او سياسيه فى نطاق معين، ولكن ما نحاول مناقشته هنا هو (الامام) بتلك المنزله الرفيعه التى تنطوى على بعد الهى عندما يتصدى انسان ليكون خليفه للنبى فى قياده الامه، وهدايه المجتمع، قياده تستوعب دنيا الناس وعقائدهم الدينيه فى ذات المسيره التكامليه التى بداها النبى(ص).
الرويه السنيه: ينادى اغلب علماء اهل السنه على ان مفهوم الامامه لا يعنى شيئا سوى الخلافه، فهما اصطلاحان مترادفان، وبالتالى فالخلافه مسئوليه اجتماعيه ودينيه كبرى تتم من خلال الانتخاب. والخليفه هو الذى يتصدى الى حل مشكلات المجتمع المسلم الدينيه كما انه مسوول عن استتباب الامن العام من خلال القدره العسكريه وحراسه حدود الدوله الاسلاميه، وعلى هذا فالامام ماهو الا زعيم عادى وحاكم اجتماعى.
مقومات الخليفه فى ضوء النظريه السنيه: 1 - الخليفه والامام - فى ضوء النظريه السنيه - انسان يتسلم مسوولياته بطريقه الانتخاب، فتكون الخلافه حينئذ مسووليه اجتماعيه وليست عهدا الهيا. ومن هنا فهى مساله فرعيه فقهيا، وموضوعها فعل المكلف، واذن فهى تخرج عن دائره الاصول منطقيا عندما يكون موضوعها فعل اللّه عز وجل فتحتاج عندئذ تاسيسا عقليا فى استيعابها. 2 - التفوق علما وتقوى - ناهيك عن العصمه - ليس شرطا فى الخلافه، فحتى لو تجاوز الخليفه، حدود التقوى وسقط فى دائره الخطيئه فان هذا لن يشكل اخلالا فى خلافته. وفى هذا يقول احد ابرز علماء السنه: (لا ينخلع الامام بفسقه وظلمه، وبغصب الاموال وضرب الابشار، وتناول النفوس المحترمه وتضييع الحقوق، وتعطيل الحدود). 3 - كيفيه الانتخاب: يجوز انتخاب الخليفه باحدى الطرق الثلاث: اجماع الامه او اجماع اهل الحل والعقد. الاستخلاف من خلال نص الخليفه السابق على اللاحق. الشورى. ومن الموكد ان آراء اهل السنه فى هذا المضمار ماهى استلهام لما حدث فى حقبه صدر الاسلام والطرق المختلفه التى حسمت فيها الخلافه. ولا تمتلك ايا من تلك الطرق المذكوره اساسا عقليه ومنطقيا لكى يمكن بحثها فى هذا الاطار.
الرؤية الشيعيه: من وجه نظر الشيعه فان الامامه ليست الا شكلا من الولايه الالهيه، فهى عهد الهى كما النبوه، اذ يصطفى اللّه من يشاء من عباده، مع التاكيد على فارق هام هو ان النبوه تاسيس للرساله والامامه حراسه لها. ومن هنا فان من الضروره بمكان ان يلى امر الامه بعد رحيل النبى(ص) انسان مصون من كل خطا منزه من كل خطيئه ونقص، وبعباره موجزه ان تتجسد فيه كل مقومات النبوه باستثناء الوحى. وعليه فمن الضرورى جدا وجود فرد لائق عالم ومعصوم ليكون قدوه لامته فى مسارها التكاملى. ان دور القائد فى تربيه المجتمع دور موثر وعميق حتى يمكن القول انه اكثر تاثيرا من محيط الاسره وعوامل الوراثه البيولوجيه.
يقول امير المومنين على(ع): (الناس بملوكهم اشبه منهم بابائهم) ولما كان اللّه عز وجل هو وحده الذى يعرف ذلك الفرد المعصوم، فهو وحده سبحانه له الحق فى انتخاب ونصب الامام.
اذن فالامامه عهد الهى، وهى مثل النبوه ليس للناس فى ذلك دور.
اهميه معرفه الامامه
تقول النظريه الشيعيه انه لا يمكن فصل الخلافه عن الامامه، لانه لا يمكن الفصل بين قياده الرسول(ص) ونبوته. ذلك ان الاسلام سياسيا ومعنويا كل واحد لا يقبل التفكيك ، كما ان البعد الروحى للاسلام جزء لا ينفك عن بعده السياسى. واضافه الى الدور التربوى لوجود الامام كقدوه، ودوره ايضا فى حفظ وحده المجتمع وهدايته الى السعاده الابديه، فان هناك حاجه فطريه لوجود القائد فى الحياه الاجتماعيه، ولما كان الاسلام هو دين الفطره والذى يتناغم فى قوانينه مع حاجات الانسان اجتماعيا وفرديا، فانه من الضرورى ان يلبى الاسلام هذه الحاجه الفطريه فى الفكر الاجتماعى. ان اللّه عز وجل قد وفر كل ماهو ضرورى فى تكامل الانسان ونموه جسميا وروحيا، فكيف يمكن حرمانه من هذه الحاجه الفطريه العامه والحيويه؟
ويعد اصل الامامه فى النصوص الاسلاميه روح الشريعه الاسلاميه والقلب النابض فيها، وان حذفه او تهميشه سيجعل من الدين جثه هامده لا حياه فيها ولا رمق.
يقول النبى الاكرم(ص): (من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميته جاهليه) ومن خلال هذا الحديث نكتشف ان الجاهليه كانت خواء من التوحيد والنبوه والخلق الانسانى، وهذا ما يضفى على الحديث الشريف اهميه فائقه وحساسيه بالغه لارتباط الجهل بالامامه بالمصير الجاهلى.
تساول: قد يتصور البعض بان تعيين الامام امر لا ينسجم مع اسس الحريه والديمقراطيه، باعتبار ان ذلك سيحصل دون تدخل من الامه فى تحديد شخص القائد وخليفه النبى(ص) وبعباره اخرى عمليه فرض على الامه. وهذا التصور ناجم من شعور يجعل من تعيين الامام مساويا للاستبداد. على ان ما نشاهده من نظم استبداديه انما تاتى من خلال انقلابات عسكريه او تحولات اجتماعيه او تدخل اجنبى، وحينئذ يكون الراى الاول والاخير للدكتاتور او الطغمه الحاكمه، دون اعتبار لاى شرط من شروط الحاكميه. فى حين ان الامامه وفق الرويه الشيعيه تضع شروطا ومعايير لا يمكن تجاوزها ومالم تتوفر تلك الشروط فى شخص فانه لن يكون اماما. وكما مر سابقا فان اللّه عز وجل هو وحده الذى يصطفى من تتوفر فيه مقومات العلم والعصمه وغيرهما.
فالامامه اختيار الفرد الامثل من لدن اللّه ونصبه قدوه للناس وهاديا للامه. وهو ذلك الفرد الذى يتمتع بخصائص مثلى فلا يغلبه هوى، ولا يصرعه مطمع، مطيع للّه طاعه مطلقه. وهو يحكم فقط شريعه اللّه فلا راى له لان المشرع اللّه عز وجل وهو الامين على الشريعه، فقط. ولما كان المشرع هو خالق الانسان المحيط باسراره وطموحاته ومصالحه الحقيقيه، والقائد فرد منتخب من لدن اللّه قد اصطفاه بعد ان حباه بالعلم والعصمه فاننا سوف نواجه صعوبه قصوى فى ان نتصور حكومه فى مثل هذا الاطار فتكون مستبده. وهذا لا يتناقض مع حاكميه الامه التى آمنت بالاسلام واعتنقت رساله اللّه بمل‏ء ارادتها. هل الديمقراطيه الاطار الامثل فى اداره المجتمع؟

عندما نريد الاجابه عن هذا التساول ينبغى اثاره بعض النقاط:
اولا: بالرغم من ان الديمقراطيه تعنى فى مفهومها اللغوى حكم الشعب ولكنها فى الواقع الحياتى تعنى حكم الاكثريه وليس كل الشعب. ثانيا: هل يمكننا الادعاء بوجود الديمقراطيه حقا، وهل توجد فى الواقع حكومه ديمقراطيه؟ ثالثا: هل ان الحق فى جانب الاكثريه دائما؟ ولو صوتت الاكثريه لراى مخالف للعقل او الاخلاق او الشريعه فهل يعنى ان رايها صوابا؟ واذا وقفت الاكثريه ومن اجل اشباع غرائزها الى جانب الاباحيه فياترى ماذا سيكون موقفنا من ذلك ؟ الا تعد ظاهره الاباحيه والشذوذ الجنسى والتى ترعرت فى بلاد الديمقراطيه ماساه انسانيه واخلاقيه؟ الا يسعى الحاكم الذى فاز بالزعامه من خلال ترشيح الاكثريه له من اجل تحقيق تطلعات تلك الاكثريه مشروعه كانت ام غير مشروعه؟ من البديهى ان الانتخابات لا تسفر عن اختيار الفرد الاصلح، كما ان الاكثريه لا يمكن ان تكون ميزانا للحق والباطل. والانتخابات بهذه الطريقه تعنى هضم حقوق شريحه واسعه من المجتمع وهى الاقليه دون دليل منطقى مقنع، لانها ستكون تابعه لنظريات الاكثريه ومصالحها. اما فى حاله الانتخاب الالهى، فان مصالح الجميع ماخوذه بنظر الاعتبار وهى مصالح حقيقيه بعيده عن الاهواء، لان فى ذلك تسليم لحاكميه اللّه، فليس هناك حكم للاكثريه ولا الاقليه بل حكم اللّه رب العالمين.
هل الامامه ضروره اجتماعيه؟ ربما يتساءل البعض عن اهميه الامامه والقياده لكى يقوم اللّه عز وجل بتعيين امام او تقوم الامه بانتخاب القائد؟ وفى معرض الجواب عن هذا التساول يجب القول ان امه ما اذا لم يكن هناك من يسوسها ويقودها فان الفوضى ستسود حياتها وبالتالى فانها ستكون عرضه للفناء. ومن هنا فاننا نلاحظ وعبر مسار البشريه الطويل ظاهره القياده وهى تواكب التاريخ الانسانى. وعلى هذا فاننا امام حالتين لا ثالث لهما، وجود الامام او عدمه والحاله الثانيه ستوول بالمجتمع الى الزوال، فتبقى اذن الحاله الاولى. وما دامت الامامه والقياده ضروره اجتماعيه يبقى النقاش حول خصائص القائد فاما ان يكون عالما عادلا تقيا شعبيا وبعباره واحده صالحا واما ان يكون ظالما فاسدا شريرا انانيا وبعباره واحده ايضا طالحا. ومن المنطقى هنا ان العقل والضمير يرجحان الاول.
على ان هناك اختيار آخر عندما نقف بين فردين احدهما صالح والاخر اصلح، فاضل وافضل، وهنا نواجه مساله الافضليه. وهى المساله التى‏اثارت جدلا بين السنه والشيعه. فاغلبيه اهل السنه يرون جواز امامه المفضول بوجود الافضل، وهى رويه تصطدم مع المنطق العقلى، لان العقل يرفض الترجيح دون مرجح فكيف يمكنه قبول ترجيح المرجوح على الراجح؟! وتاسيسا على هذا يبقى طريق واحد فقط وهو وجود الامام الذى يتفوق على اهل زمانه فى كل الخصال الطيبه. فالرويه الشيعيه هى الرويه التى تنسجم ومنطق العقل والفطره والضمير. ولا تنطوى هذه الرويه على ايه تحديد للحريه ولا على استبداد ولا على اى شى‏ء يتناقض ويصطدم مع موقف العقل. وهى رويه تنهض على اساس ان اللّه سبحانه هو خالق الانسان والمجتمع وهو اعلم بمصالحه الحقيقيه وارحم به من غيره، فيبقى اختياره هو الاصلح والاكثر انسجاما مع معطيات العقل وما تنطوى عليه الفطره البشريه السليمه.
الخلاصه: 1 - ان طرح مساله الامامه لا تتسبب فى خلق ازمه ما بل العكس سوف تضيق من هوه الخلاف وتعزز اواصر الاخوه الاسلاميه. 2 - الامامه فى مفهومها اللغوى بمعنى القياده وفى مفهومها الاصطلاحى تعنى قياده المجتمع دينيا ودنيويا وهى نيابه الرسول(ص). على ان للامامه مفهوم محدود آخر ينحصر بمعطياته اللغويه فقط. 3 - فى الرويه السنيه، الامامه مسووليه اجتماعيه عاديه لا يشترط فيها العلم ولا العصمه وتجوز امامه المفضول بوجود الافضل. 4 - ان نظريات اهل السنه ليست سوى استلهاما لما حصل فى الحقبه التاريخيه التى اعقبت وفاه الرسول(ص) وهى ايضا تبريرا لها. 5 - فى الرويه الشيعيه يكون الامام معصوما وعالما ولان اللّه سبحانه هو وحده الذى يعرف ذلك الفرد فهى اذن عهد الهى ومن هنا فالامامه فعل الهى يدخل فى دائره علم الكلام لتكون اصلا من اصول الدين يتطلب التاسيس له عقليا. 6 - ترقى الامامه من حيث الاهميه لتدخل دائره الاصول العقيديه للحد الذى يكون مصير من لا يعرف امام زمانه ان يموت ميته جاهليه. 7 - ان مساله الامامه لا تتناقض مع الحريه والديمقراطيه، مع التاكيد على وهميه الديمقراطيه فى الواقع العملى.
الفصـل الثانى ضروره وجود الامام
الادله:
1 - دليل الحمه:
ان الانسان وانطلاقا من فطرته السليمه ينشد الكمال الذى هو غائيه الخلق. على ان المسار التكاملى الذى يحاول الانسان سلوكه تعتوره عقبات واخطار تجعل اكتشاف ذلك المسار لدى الانسان دون تسديد من آخرين امرا مستحيلا. ومن هنا يتوجب وجود طريق يضمن تحقيق هذا الهدف لتتحقق غائيه الخلق. وهذه المساله محلوله فى زمن النبى، غير ان التحدى مستمر بعد غياب النبى لانه لا ينحصر فى مقطع زمنى محدد. واذن فوجود انسان كامل يكون معلما فى مسار الانسانيه امر ضرورى. وهذا الانسان الكامل هو (الامام) اى الانسان المعصوم الذى يرفع لواء التوحيد ويتحلى بكل مقومات الامام كانسان كامل. انه بمنزله الشمس التى تسطع فوق ذرى الانسانيه لتهدى الحائرين الى الطريق اللاحب. وهو الانسان الذى تنعكس من خلاله فيوضات السماء، وحلقه الوصل بين عالمى الغيب والشهاده... الانسان الذى صانته السماء وحفظته من الخطا والخطيئه والنقص. فمن المستحيل ان يحدد اللّه سبحانه غائيه الخلق فى الكمال المنشود ثم لا يجعل ذلك مجسدا فى انسان يكون دليلا وبرهانا على امكانيه تلك الغايه المنشوده.
2 - دليل اللطف:
اللّه عز وجل لطيف بعباده، وقد غمرهم برحمته ولو تامل الانسان فى ماوهبه اللّه من نعم لوقف على حقيقه كبرى هى ان اللّه هو الرحمه المطلقه واللطف المطلق، فمثلا العين هذا العضو الذى نبصر به ما حولنا من جمال حفظها اللّه من الغبار بالاهداب ومن حبات العرق بالحاجب وهذا غيض من فيض فكل مافينا وما حولنا يهتف بهذه الحقيقه. ومن لطف اللّه سبحانه ان جعل لنا دليلا ومرشدا، يهدينا الى طريق السعاده ويرشدنا نحو الكمال، لان ذلك حاجه انسانيه عميقه مودعه فى فطره الانسان وحاشا للّه ان يتركهم ظامئين فلا ينعم عليهم بهذه النعمه. اللّه سبحانه اودع فينا الشعور بالظما وهو الذى خلق الماء لنرتوى واودع فينا البحث عن الكمال، فنصب لنا من يساعدنا فى تحقيق تلك الغايه الساميه.
3 - الادله النقليه:
اضافه الى الادله العقليه التى مر ذكرها فهناك ادله نقليه فى اطار الايات والروايات وهذه طائفه منها:
ا - آيه الامامه: قال تعالى: (واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فاتمهن قال انى جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتى قال لا ينال عهدى الظالمين). ومعطيات الايه كما هو واضح ان منزله الامامه تختلف عن منزله النبوه هذا
اولا وثانيا: ان مقام الامامه اسمى من النبوه ودليل ذلك ان اللّه عز وجل بشر ابراهيم بالامامه بعد ان كان نبيا
وثالثا ان الامامه عهد الهى لا يتدخل فيه الانسان فالامام اذن اختيار الهى لا انتخاب بشرى. ورابعا ان الامام معصوم طول حياته، لان الخطيئه ظلم والامامه لا تنال الظالم، كما ان الامام منزه عن الشرك باللّه لان الشرك ظلم عظيم. خامسا: ان الايه تثبت الامامه لابراهيم وبعضا من ذريته ولذا فان سيدنا محمد(ص) امام منذ بدء رسالته وهو ما جاء فى الاثر. سادسا: ان الامام من اجل الناس، يعنى ان الامه تحتاج الامام.
ب - آيه اولى الامر: يقول القرآن الكريم: (يا ايها الذين آمنوا اطيعوا اللّه واطيعوا الرسول واولى الامر منكم فان تنازعتم فى شى‏ء فردوه الى اللّه والرسول ان كنتم تومنون باللّه واليوم الاخر ذلك خير واحسن تاويلا).
ومعطيات الايه كما يلى: اولا: انها تامر المومنين بطاعه ثلاثه: اللّه عز وجل، الرسول، واولى الامر. ثانيا: ان طاعه اللّه - وهى طاعه واجبه عقلا - تختلف عن طاعه النبى واولى الامر. وعلى هذا فاضافه الى اوامر اللّه الوارده فى قالب الايات والروايات فان طاعه النبى واولى الامر - فى اداره المجتمع - واجبه، ذلك ان طاعه اللّه من طاعه الرسول(ص): (ومن يطع الرسول فقد اطاع اللّه ومن تولى فما ارسلناك عليهم حفيظا). فاضافه الى الاحكام الاوليه او الاساسيه توجد احكام ثانويه ضروريه فى اداره المجتمع كما يراها النبى او الامام. ثالثا: على النبى واولى الامر ان يكونوا معصومين، وفى غير هذه الصوره سيحدث تناقض بين امر اللّه وامرهم. وهذا ما يظهر جليا لدى فسق ولى الامر - الذى قد يشرب الخمر مثلا ويامر بشربها، فماذا سيكون موقف المسلم ازاء اوامر من هذا القبيل؟ ما هو موقفه بين واجب الطاعه وبين حرمه العمل؟! رابعا: ان اوامر اولى الامر تنسجم مع اوامر النبى وهو ما تفيده الايه من توحد فى طاعتهم، فقد جاء الفعل (اطيعوا) ليشمل الرسول واولى الامر معا. خامسا: ان كلمه (الامر) قد ورد استخدامها فى القرآن فى ثلاثه معانى: بمعنى امر وجمعه (اوامر) وبمعنى عمل اذا ما جمعت فى (امور) وقد تعنى شيئا مجردا عن الماده فى مقابل كلمه خلق ومن الموكد ان المقصود المعنيين الاول والثانى فيكون المعنى ان اولى الامر اصحاب الحكم واصحاب الشان والاداره فى المجتمع. سادسا: من هم اولو الامر؟ ان الايه لا تفيد باكثر من وجوب طاعه اولى الامر وعصمتهم. ومن جانب آخر اننا نرى الذين تولوا امر المسلمين كانوا - باستثناء على(ع) - غير معصومين باجماع المسلمين.
ولقد سجل التاريخ كثيرا من احكامهم المخالفه لاوامر اللّه، وكان على بن ابى طالب(ع) ينبه الى الخطا فى تلك الاحكام حتى قيل (لولا على لهلك عمر). وانطلاقا من هذا فان افرادا غير معصومين لا يمكنهم ان يكونوا اولى الامر، هذا فى الوقت الذى تصرح فيه الروايات بمصاديق اولى الامر الحقيقيين. ومن جمله الروايات ما رواه جابر بن عبداللّه الانصارى انه سال رسول اللّه اثر نزول الايه عن اولى الامر: من هم؟ فقال(ص): (هم خلفائى - يا جابر - وائمه المسلمين من بعدى: اولهم على بن ابى طالب ثم الحسن والحسين ثم على بن الحسين ثم محمد بن على المعروف فى التوراه بالباقر ستدركه يا جابر، فاذا لقيته فاقرءه منى السلام، ثم الصادق جعفر بن محمد ، ثم موسى بن جعفر، ثم على بن موسى ثم محمد بن على، ثم على بن محمد، ثم الحسن بن على ثم سميى - محمد - وكنيتى حجه اللّه فى ارضه وبقيته فى عباده ابن الحسن بن على ذاك الذى يفتح اللّه على يديه مشارق الارض ومغاربها ذاك الذى يغيب عن شيعته، واوليائه غيبه لا يثبت فيها على القول بامامته الا من امتحن اللّه قلبه للايمان). ويقول الامام الباقر(ع): (الائمه من ولد على وفاطمه الى ان تقوم الساعه). ج - آيه الولايه: قال تعالى: (انما وليكم اللّه ورسوله والذين آمنوا الذى يقيمون الصلاه ويوتون الزكاه وهم راكعون). وفى هذه الايه الكريمه نجد حصرا من خلال (انما) للولايه باللّه والرسول والذين آمنوا فى الاطار الذى سجلته الايه، ومعنى هذا انتفاء ولايه الاخرين الذين هم خارج نطاق الايه. د - آيه التبليغ: قوله تعالى: (يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته واللّه يعصمك من الناس).
ويتفق محدثو الشيعه وطائفه كبيره من مفسرى اهل السنه ان الايه الكريمه نزلت فى منطقه (غدير خم) فى حجه الوداع فى آخريات حياه النبى(ص). وجو الايه مشحون بحاله فريده فيها انذار شديد اللهجه ويتضمن امرا بالغ الاهميه عندما يكون تبليغ الرساله على مدى مده زمنيه تمتد الى ثلاثه وعشرين سنه مرهونا بتبليغه.
لقد كان النبى(ص) يعيش الايام الاخيره من حياته الشريفه، وقد نزلت الايه قبل حوالى سبعين يوما من وفاته. وسيره سيدنا محمد(ص) بكل منعطفاتها الحاده والخطيره تكشف عن شجاعه واقدام عجيبين، فهو لم يرهب ولم يهب ايه قوه او جهه معاديه وكان يمضى قدما فى تبليغ كلمه اللّه، حتى طهر شبه الجزيره العربيه من الوثنيه ليبدا عهد اسلامى مشرق، وفى ظروف مثل هذه، وفى زمن دخل فيه الناس دين اللّه افواجا، فان خطر ما كان يهدد مستقبل ووحده المسلمين، ولذا نجد ترددا الى حدما فى اعلان النبى عن البلاغ الالهى الاخير. ومن الموكد ان الرسول(ص) لم يكن ليرهب خطرا يهدد حياته الشخصيه وهو الذى اذا حمى الوطيس لاذ المسلمون به، كما عبر عن ذلك على(ع). واذن فان الاعلان السماوى يتضمن تقديم شخص الخليفه القادم، وهذا ما سوف يزعزع ايمان البعض من الذين ما تزال الروح القبليه والتصورات الجاهليه تفعل فعلها فى نفوسهم.. فلسوف يقولون ان النبى يحاول ان يوسس ملكا عريضا لاسرته وقبيلته. ومن اجل هذا نزل التطمين الالهى بان (اللّه يعصمك من الناس)، وعلى كل حال فلم يكن امام رسول اللّه الا ان يصدر امره بالتوقف فى تلك البقعه التى تدعى ب(غدير خم) وليعلن فى تلك الحشود ان عليا هو ولى المسلمين بعده. وقد بدا النبى(ص) اعلانه التاريخى بعد ان مجد اللّه وحمده قائلا: (ايها الناس: يوشك ان ادعى فاجيب وانى مسوول وانكم مسوولون فماذا انتم قائلون؟ قالوا: نشهد انك قد بلغت وجاهدت ونصحت فجزاك اللّه خيرا. فقال: اليس تشهدون ان لا اله الا اللّه وان محمدا عبده ورسوله وان جنته حق، وان ناره حق، وان الموت حق، وان البعث بعد الموت حق، وان الساعه آتيه لاريب فيها وان اللّه يبعث من فى القبور؟ قالوا: بلى نشهد بذلك . فقال: وانى سائلكم حين تردون على عن الثقلين: كيف تخلفونى فيهما؟ الثقل الاكبر كتاب اللّه عز وجل، سبب طرفه بيداللّه تعالى، وطرفه بايديكم، فاستمسكوا به لا تضلوا ولا تبدلوا، وعترتى اهل بيتى، فانه قد نبانى اللطيف الخبير: انهما لن ينقضيا حتى يردا على الحوض). ثم دعا عليا(ع) فاخذ بيده ورفعه ليعرفه الى الناس وقال: ايها الناس من اولى بكم من انفسكم؟ قالوا: اللّه ورسوله اعلم فقال: من كنت مولاه فهذا على مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وادر الحق معه حيثما دار). ولم تتفرق قوافل الحجيج فى طريق عودتها الى ديارها حتى نزل قوله تعالى: (اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتى رضيت لكم الاسلام دينا). وجاء كبار الصحابه يهنئون عليا وانبرى شاعر الرسول(ص) ليخلد تلك المناسبه البهيجه بابيات شعريه جميله. على ان هناك حشد كبير من الايات والروايات فى هذا المضمار ولكننا نكتفى بهذا القدر.
الخلاصه: 1 - هناك ادله عقليه ونقليه فى اثبات ضروره الامام ومنها دليل الحكمه الالهيه: وهو ان اللّه سبحانه اراد للانسان الكمال وهذا لا يتحقق فى غياب المثال الذى يجسد الكمال المنشود.
2 - ان دليل اللطف يوكد وجود الامام انطلاقا من ذلك وهو ان اللّه لطيف بعباده فنصب لهم اماما يهتدون بهديه. 3 - هناك حشد من الايات والروايات تدل على الامامه وفى طليعتها آيات الامامه، اولو الامر، الولايه، التبليغ، اكمال الدين، التطهير، وآيه الصادقين... وغيرها. 4 - ان الامامه فى ضوء القرآن الكريم تعد مكمله ومتمه للدين.
5 - ان اغلب الروايات التى تبحث مساله الامامه والولايه توكد عصمه الامام‏واولى الامر. 6 - هناك طائفه من الروايات التى توكد امامه الائمه الاثنى عشر من اهل البيت وفى طليعتهم على بن ابى طالب(ع) ومنها: حديث الغدير، الثقلين، روايه جابر، حديث السفينه، حديث المنزله، والموده... وغيرها.
الفصـل الثالث : موقع الامامه فى المجتمع الانسانى
الامام يمثل القلب النابض وسر الحياه فى المجتمع البشرى وبدونه يغدو المجتمع جثه هامده ليس غير. فهو الانسان الذى ينعكس من خلاله الفيض الالهى ولولاه لساخت الارض باهلها. وما آحاد الناس سوى مجموعه اصفار التى تبقى فاقده القيمه، فهو الرقم الذى يهب تلك الاصفار قيمتها الكبرى والهامه، هذا من جانب ومن جانب آخر فان المجتمع بحاجه الى محور تتبلور فيه وحدته، لانه هو الذى يبين للناس شريعه اللّه عز وجل، ويفسر للامه احكام الشريعه، ويكون لها امانا من الاختلاف والتمزق والانحراف.
ضروره تفسير القرآن: القرآن الكريم هو المصدر الاساس فى استنباط احكام الاسلام والشريعه، وبين دفتيه تفصيل كل شى‏ء. على ان القرآن الكريم قد بين الخطوط العريضه بعيدا عن التفاصيل ومن هنا وجب وجود فرد له قدره الاحاطه العلميه فى تطبيق كليات القرآن على التفاصيل، وله القدره ايضا على تاويل المتشابه من آيات القرآن الكريم، وبيان الحكم الاسلامى من مساله ما يبتلى بها المجتمع المسلم. وهذا الفرد هو الامام، وهو المخاطب الاساس فى الخطاب القرآنى لعلمه بباطن القرآن، واطلاعه على ناسخه ومنسوخه، والمحكم من آياته والمتشابه، وسائر التفاصيل الاخرى من اسباب النزول وغيره. وهو فى كل استنباط من آيات القرآن لا يعتوره خطا او التباس.

الامام هو العقل المفكر فى المجتمع: كل مجموعه انسانيه تحتاج الى من يوحد مسارها الفكرى، سال الامام الصادق(ع) تلميذه هشام بن الحكم: (الا تخبرنى كيف صنعت بعمرو بن عبيد وكيف سالته؟ فقال هشام: يا بن رسول اللّه انى اجلك ولا يعمل لسانى بين يديك ! فقال الامام: اذا امرتكم بشى‏ء فافعلوا. قال هشام: بلغنى ما كان فيه عمرو بن عبيد وجلوسه فى مسجدالبصره يوم الجمعه، فعظم ذلك على فخرجت اليه ودخلت البصره يوم الجمعه، فاتيت مسجد البصره، فاذا انا بحلقه كبيره فيها عمرو بن عبيد، وعليه شمله سوداء متزر بها من صوف وشمله مرتد بها والناس يسالونه. فاستفرجت الناس فافرجوا لى، ثم قعدت فى آخر القوم على ركبتين ثم قلت: ايها العالم انى رجل غريب تاذن لى فى مساله؟ فقال لى: نعم فقلت له: الك عين؟ فقال: يا بنى اى شى‏ء هذا من السوال؟ وشى‏ء تراه كيف تسال عنه؟ فقلت: هكذا مسالتى! فقال: يا بنى سل، وان كانت مسالتك حمقاء. قلت: اجبنى فيها. قال: سل. قلت: الك عين؟ قال: نعم. قلت: فما تصنع بها؟ قال: ارى بها الالوان والاشخاص. قلت: الك انف. قال: نعم. قلت: فما تصنع به؟ قال: اشم به الرائحه. قلت: الك فم؟ قال: نعم. قلت: فما تصنع به؟ قال: اذوق به الطعم. قلت: فلك اذن؟ قال: نعم. قلت: فما تصنع بها؟ قال: اسمع بها الصوت. قلت: الك قلب؟ قال: نعم. قلت: فما تصنع به؟ قال: اميز به كل ما ورد على هذه الجوارح والحواس. قلت: اوليس فى هذه الجوارح غنى عن القلب؟ فقال: لا. قلت: وكيف ذلك وهى صحيحه؟ قال: يا بنى ان الجوارح اذا شكت فى شى‏ء شمته او راته او ذاقته، او سمعته، ردته الى القلب فيستيقن اليقين ويبطل الشك . قال هشام: فقلت له: فانما اقام اللّه القلب لشك الجوارح؟ قال: نعم. قلت: لابد من القلب والا لم تستيقن الجوارح؟ قال: نعم. فقلت له: يا ابا مروان: فاللّه تبارك وتعالى لم يترك جوارحك حتى جعل لها اماما يصحح لها الصحيح، ويتيقن ما شك فيه، ويترك هذا الخلق كلهم فى حيرتهم وشكهم واختلافهم، لا يقيم لهم اماما يردون اليه شكهم وحيرتهم ويقيم لك اماما لجوارحك ترد اليه حيرتك وشكك ؟! قال هشام: فسكت ولم يقل لى شيئا! ثم التفت الى فقال لى: انت هشام بن الحكم؟ قلت: لا. قال: امن جلساته. قال: لا. قال: فمن اين انت؟ قلت: من اهل الكوفه. قال: فانت اذن هو: ثم ضمنى اليه واقعدنى فى مجلسه وزال عن مجلسه وما نطق حتى قمت. فضحك ابو عبد اللّه (الصادق) وقال: يا هشام من علمك هذا؟ قلت: شى‏ء اخذته منك والفته. فقال: هذا - واللّه - مكتوب فى صحف ابراهيم وموسى
دور الامام فى المجتمع: لقد نهض الائمه(عليهم‏السلام) بمسوولياتهم فى صيانه الدين والشريعه من الانحراف، وكانوا نبعا فياضا للحقائق القرآنيه الخالده وكانوا من خلال سيرتهم الذاتيه النماذج المثلى للامه التى جسدت مسار الاسلام الاصيل. فلقد مارس الامام على(ع) دورا مهما فى الاشراف التربوى والمسار القضائى والحقوقى فى فتره مابعد الرسول(ص)، فقد نقض احكاما قضائيه باطله ووقف بوجه تنفيذها واسس لاحكام اسلاميه فى القضاء. كما جسد فى تلك الفتره المبكره تفوق الاسلام الفكرى والعقائدى من خلال الحوار مع زعماء الاديان من اهل الكتاب مجيبا عن الكثير من التساولات والشبهات. ولهذا فان وجود الائمه(عليهم‏السلام) كان مصدر نمو ثقافى وانتشارا للفكر والمعارف الاسلاميه. وعلى كافه الاصعده.
ولقد كان دورهم موثرا وعميقا بالرغم من كل الظروف التى احاطت حياتهم بالقمع والارهاب والاضطهاد. هذا ويمكن ان نبلور دور الائمه(عليهم‏السلام) فى اربعه محاور.
دور ائمه اهل البيت فى انتشار الحق: الف - تفسير الشريعه: كان تفسير الشريعه وبيان احكام الاسلام وتطبيق عموميات الاسلام على تفاصيل الحياه الانسانيه احد اهم المحاور فى حياه الائمه من اهل البيت(عليهم‏السلام). وما العلوم الاسلاميه الا من تاسيسهم(عليهم‏السلام)، وما آلاف الاحاديث التى تعد اليوم ميراثا انسانيا كبيرا الا من وحى كلماتهم، وما كلماتهم تلك سوى عشرات الاحاديث التى صدرت عن سيدنا محمد(ص) فنقلوها لنا بامانه واخلاص عبر الاجيال. فكانت حيواتهم اضاءات كبرى فى مسار الحضاره والمدنيه الاسلاميه. لقد قدم الائمه من اهل البيت خدمات جليله للامه بنقلها ميراث آخر النبوات فى التاريخ. ونظره عابره على حجم الاحاديث الوارده عن اهل البيت يكشف عن الدور الضخم للائمه فى الحفاظ على ميراث الرسول(ص). فقد اثبتت صحاح اهل السنه ثمانين حديثا فقط بروايه الخليفه الاول‏وخمسين حديثا للخليفه الثانى ولعثمان فى صحيح مسلم خمسه احاديث وفى صحيح البخارى تسعه احاديث. هذا فى الوقت الذى اثبت كتاب غرر الحكم ودرر الكلم وحده لامير المومنين على بن ابى طالب اكثر من احد عشر الف حديث. اضافه لما اثبته اهل السنه فى مصادرهم ما يبلغ من مئات الروايات وهذا ابن ابى الحديد يقول: (وما اقول فى رجل تنتمى اليه كل فضيله، وتنتهى اليه كل فرقه، وتتجاذبه كل طائفه، فهو رئيس الفضائل وينبوعها وابو عذرها وسابق مضمارها، ومجلى حلبتها. كل من برع فيها بعده فمنه اخذ، وله اقتفى وعلى مثاله اقتدى.
وقد عرفت ان اشرف العلوم هو العلم الالهى، لان شرف العلم بشرف المعلوم، ومعلومه اشرف الموجودات، فكان هو اشرف العلوم، ومن كلامه اقتبس وعنه نقل واليه انتهى ومنه ابتدا. فان المعتزله - الذين هم اهل التوحيد والعدل وارباب النظر، ومنهم تعلم الناس هذا الفن - تلامذته، واصحابه، لان كبيرهم واصل بن عطاء تلميذ ابى هاشم عبداللّه بن محمد بن الحنفيه، وابو هاشم تلميذ ابيه وابوه تلميذه(ع). واما الاشعريه: فانهم ينتمون الى ابى الحسن على بن اسماعيل بن ابى بشر الاشعرى، وهو تلميذ ابى على الحبائى، وابو على احد مشايخ المعتزله، فالاشعريه ينتهون بالاخره الى استاذ المعتزله ومعلمهم وهو على بن ابى طالب(ع). واما الاماميه والزيديه فانتماوهم اليه ظاهر. ومن العلوم: علم الفقه، وهو اصله واساسه، وكل فقيه فى الاسلام فهو عيال عليه ومستفيد من فقهه. اما اصحاب ابى حنيفه كابن يوسف ومحمد وغيرهما فاخذوا عن ابى حنيفه. واما الشافعى فقرا على محمد بن الحسن فيرجع فقهه ايضا الى ابى حنيفه. واما احمد بن حنبل فقرا على الشافعى ويرجع فقهه ايضا الى ابى حنيفه، وابو حنيفه قرا على جعفر بن محمد وقرا جعفر على ابيه وينتهى الامر الى على(ع). واما مالك بن انس فقرا على ربيعه الراى، وقرا ربيعه على عكرمه، وقرا عكرمه على عبد اللّه بن عباس، وقرا عبد اللّه بن عباس عن على(ع). وان شئت رددت اليه فقه الشافعى بقرائته على مالك كان لك ذلك . فهولاء الفقهاء الاربعه. واما فقه الشيعه فرجوعه اليه ظاهر. وايضا فان فقهاء الصحابه كانوا عمر بن الخطاب وعبد اللّه بن عباس، وكلاهما اخذا عن على(ع) اما ابن عباس فظاهر، واما عمر فقد عرف كل احد رجوعه اليه فى كثير من المسائل التى اشكلت عليه وعلى غيره من الصحابه، وقوله غير مره: لولا على لهلك عمر، وقوله لا بقيت لمعضله ليس لها ابو الحسن، وقوله: لا يفتين احد فى المجلس وعلى حاضر، فقد عرف بهذا الوجه ايضا انتهاء الفقه اليه. ومن العلوم علم التفسير، وعنه اخذ ومنه فرع واذا رجعت الى كتب التفسير علمت صحه ذلك ، لان اكثره عنه وعن عبد اللّه بن عباس وقد علم الناس حال ابن عباس فى ملازمته له وانقطاعه اليه، وانه تلميذه وخريجه، وقيل له: اين علمك من علم ابن عمك ؟ فقال: كنسبه قطره الى البحر المحيط.
ومن العلوم: علم النحو والعربيه، وقد علم الناس كافه انه هو الذى ابتداه وانشاه واملى على ابى الاسود الدولى جوامعه واصوله). وهذا الامر ينسحب على سائر الائمه من اهل البيت(ع)، فلقد تخرج على يد الامام الصادق العديد من اساتذه العلوم المختلفه وكان لهم شان كبير فى دنيا العلم والفلسفه، فقد نبغ (المفضل بن عمرو) و(مومن الطاق)، (وهشام بن الحكم) فى الفلسفه والكلام و (جابر بن حيان) فى الرياضيات والكيماء و (زراره) و (محمد بن مسلم) و (جميل بن دراج) و (حمران بن اعين) و (ابو بصير) و (عبد اللّه بن سنان) فى الفقه والاصول والتفسير. ب - تربيه التلاميذ: وهو المحور الاخر الذى نشط فيه ائمه اهل البيت(عليهم‏السلام) من اجل اعلاء كلمه الحق.
لقد انتهل من فيض علومهم مئات بل آلاف من الظامئين للعلم والمعرفه، فسطعت اسماء لها اثرها فى دنيا العلوم والحضاره الاسلاميه.. . اسماء من قبيل (كميل بن زياد) و(اويس القرنى) و(رشيد الهجرى) و(ميثم التمار) و(عمار بن ياسر) و(عبد اللّه بن عباس) و (الاصبغ بن نباته) فكل هولاء كانوا تلامذه على(ع). هذا مع التاكيد مره اخرى على ان تاسيس العلوم الاسلاميه جاء على ايدى الائمه او تلامذتهم. لقد كانوا جميعا نبعا فياضا للعلم والمعرفه الاسلاميه، حتى لقد روى جابر بن يزيد لوحده سبعين الف حديث عن الامام الباقر(ع) وروى محمد بن مسلم ثلاثين الف حديث، وحتى قال ابن شهراشوب ان ما روى عن الامام الصادق ما لم يرو عن غيره وكان له اربعه آلاف تلميذ كلهم يقول حدثنى جعفر بن محمد الصادق، ومن بين تلامذته من اصبحوا ائمه لمذاهب اهل السنه وكان (مالك ابن انس) و(سفيان الثورى) و(سفيان بن عيينه) و(ابو حنيفه) وكذلك (محمد بن حسن الشيبانى) و(يحيى بن سعد) من جمله تلامذته من الفقهاء، ومن المحدثين: (ايوب البجستانى) و(شعبه بن الحجاج) و (عبد الملك بن جريج) وغيرهم. ولو اردنا ان نستقصى من تتلمذ لدى ائمه اهل البيت لاحتجنا فى ذلك الى مجلدات ومجلدات ولاننسى ان لكل تلميذ من انتهل من علم الائمه كان له مئات وربما آلاف التلاميذ، ليكلوا بمجموعهم مسار الحركه العلميه انذاك. اما فى الوقت الحاضر فيكفى ان ننظر الى الحوزه العلميه فى قم وهى تزخر بالاف الناس ممن ينهلون من علوم اهل البيت. والى سائر المراكز العلميه والدينيه الاخرى التى اضحت بمنزله محيط علمى يزخر بالحركه والامواج، ولم يكن كل ذلك لولا تلك الروافد الصافيه المتدفقه والينابيع الثره العذبه. وعلى عكس الجامعات والمركز العلميه التى اسسها الاستعمار لاغراض مشبوهه، فان حوزات الدين والعلوم الاسلاميه فى مذهب اهل البيت لم توسس الا للتقوى والعلم والحقيقه، وليس فيها الا ما ينطوى تحت رايه القرآن والاسلام من اجل ان تتحقق اهداف الرساله السماويه الخالده. ج - الصراع السياسى: تزعم الائمه من اهل البيت وعلى مدى حيواتهم المباركه حركه المعارضه والمواجهه السياسيه، ولهذا فاننا نجد ان حياتهم قد انتهت بالموت قتلا او اغتيالا بالسم ولم يمت منهم احد لاسباب طبيعيه. ولقد كان لكل منهم اسلوبه فى المواجهه واداره الصراع السياسى فى مواجهه الانحراف الحكومى فى عصره. فقد تاتى المواجهه ايجابيه من خلال اعلان الثوره المسلحه‏وربما تاتى فى اطار من المقاومه السلبيه من خلال التزام الصمت وعدم تاييد الحكم، وهو الصمت الذى يدوى بصرخه الادانه للوضع القائم. على ان تقديم الامام نفسه كنموذج ومثال اخلاقى يشكل تناقضا واضحا مع نموذج الخليفه الحاكم فى عصره وهذا ما يدفع الامه الى اجراء مقارنه فى الضمير وبالتالى ادانه شخص الحاكم وجهازه دولته وهو شكل من اشكال اداره الصراع فى الظروف المتاحه. وربما يتجلى من الامام الجانب العلمى خاصه فى المنعطفات التاريخيه التى تواجه فيها الامه فراغا فى جبهه الصراع الفكرى مع الافكار المستورده والدخيله، والتى قد تروج لها الحكومات او تغض عنها الطرف. وربما تاتى المواجهه فى شكل ادانه صريحه لجهاز الحكم والخلافه من خلال خطاب سياسى من الرفض والاستنكار والمقاومه. وربما تاتى المواجهه فى شكل آخر من اشكال الصراع عندما يقوم الامام بالتاثير على بعض رموز الحكم للتخفيف من حده الانحرافات والتجاوزات والعمل على ايجاد تيار سياسى اسلامى داخل اجهزه الحكم يدفع بالدوله الى اهداف قريبه من اهداف الاسلام وهو ما يحقق من مصالح الامه ولو قدرا ضئيلا.
فمن يطالع مواقف الامام على بن ابى طالب وسبط النبى الامام الحسن بن على يكتشف دورهما فى تصحيح المسار الثقافى ودفعه بالاتجاه الموازى للاسلام وكانت تجربتها فى الحكم تجربه ثريه ظلت وستظل معينا للفكر السياسى الاسلامى.
د - تقديم المثال العملى: لقد جسد الائمه من اهل البيت وهم ذريه رسول اللّه(ص) حقائق الاسلام فى سيرتهم الذاتيه. فاصبحوا من خلال ذلك نماذج حيه ملهمه للاسلام الاصيل.. الاسلام الذى جاء به آخر الانبياء فى تاريخ البشريه. لقد كانوا قدوه للامه واسوه لكل المومنين، حتى محض وجودهم وبغض النظر عن كل نشاط سياسى او ثقافى يشكل تهديدا للنظام القائم، لانهم يكشفون من خلال سيرتهم النموذجيه سوءات الحاكمين.
الخلاصه: 1 - الامام يمثل القلب النابض فى المجتمع البشرى وبدونه تغدو الامه جثه هامده، فهو الانسان الكامل الذى يمنح للوجود الانسانى معانيه. 2 - ان القرآن يضم الخطوط العريضه فى اصول المعارف الاسلاميه، وهو يحتاج الى تفسير وتطبيق للقواعد العامه على تفاصيل الحياه وهى مهمه لا ينهض بها الا الامام الذى هو وارث علوم الرساله. 3 - لو شبهنا المجتمع باعضاء الانسان فان الامام يشكل مركز العقل والقوه المفكره. 4 - ان دور الائمه من اهل البيت(عليهم‏السلام) يتبلور فى اربعه محاور: الف - تفسير الشريعه. ب - تربيه التلاميذ ليكونوا السواعد القويه فى مسار الاسلام الاصيل. ج - اداره الصراع السياسى ضد حكام الجور. د - تجسيد المثال الحى والقدوه الحسنه من خلال سيره ذاتيه مشرقه مستوحاه من القرآن الكريم. 5 - ان الميراث العلمى العريض فى مراكز العلم والمعرفه هو من آثار الائمه من اهل البيت(عليهم‏السلام).
الفصـل الرابع: الامام وعلم الغيب

مقدمه:
ماهيه الغيب: الغيب عالم ياتى فى مقابل عالم الشهاده، عالم لا يخضع لادراك حواس الانسان، فعالم القيامه مثلا وما سيجرى فى ذلك العالم ومسائل العقاب والثواب، والملائكه والذات الاحديه وصفاتها المقدسه كل ذلك ينطوى فى اطار الغيب الذى لا يعرف عنه الانسان شيئا. ولا يعود ذلك الى شفافيه الاجسام او تناهيها فى الصغر بل الى سمو فى آفاقها التى لا تخضع لادراك الانسان المحدود، والى خروجها عن دائرتى الزمان والمكان. اما ما ندركه من خلال حواسنا وما يخضع لادراكنا البشرى فهو من عالم الشهاده، ومن هنا فان الماده وآثارها هى جزء من عالم الشهود، حتى لو استعصت رويه بعضها بسبب تناهيها فى الصغر كالجراثيم والفيروسات والذرات و... وكل ما يزيح العلماء الستار عن اسرار فى اطار الكشوفات العلميه من قبيل الجاذبيه والاشعه السينيه واشعه الليزر، فكل هذا لا يعد جزء من عالم الغيب، لان اكتشاف مثل هذه الحقائق العلميه قد حدث بسبب وسائل طبيعيه.
الغيب النسبى: يمكن تقسيم الغيب الى قسمين: مطلق ونسبى. فهناك من المغيبات ماهو مطلق لا يمكن ادراكه فى كل زمان ومكان وهو لا يخضع لقوى الحواس ابدا، كما هو الحال فى ذات اللّه المقدسه. غير ان معظم الغيبيات تدخل فى دائره النسبيه، يعنى انها نسبيه فهى للبعض غيب وللبعض الاخر شهود. فمثلا الملائكه والجنه والنار، والحوادث التى ستقع فى المستقبل، وما سيولد من البشر فى قابل الايام، فكل هذه الامور تعد بالنسبه للانبياء شهودا ولغيرهم غيبا. وكما هو الحال فى وجود الملائكه فان هذا الامر يبقى بالنسبه لنا غيبا حتى لحظه الموت وسيتحول هذا الامر الى شهود بعد الموت. كل شى‏ء بالنسبه للّه للشهاده: كل الموجودات، صغيرها وكبيرها، ماده كانت او غير ماده، وكل الحوادث سواء التى حدثت فى الماضى والتى ستحدث فى المستقبل كل ذلك حاضر فى رحابه سبحانه وتعالى. لا يغزب عن علمه شى‏ء، وكل شى‏ء لديه شهود. وعلى حد تعبير الامام على فى قوله: (كل سر عندك علانيه، وكل غيب عندك شهاده). ذلك ان كل شى‏ء مخلوق من مخلوقاته سبحانه وكل شى‏ء معلول لعلته مرتبط به، حاضر لديه، فكل شى‏ء حاضر عنده، وهذا هو معنى العلم لديه لان علمه حضورى، كعلمنا بانفسنا، وعلى هذا فان كل الحقائق العلميه حاضره لديه فلا يبقى مكان لمعنى الغيب لديه سبحانه. قال تعالى: (هو اللّه الذى لا اله الا هو عالم الغيب والشهاده هو الرحمن الرحيم). وقال سبحانه: (عالم الغيب والشهاده الكبير المتعال). وقوله عز وجل: (الم اقل لكم انى اعلم غيب السموات والارض واعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون). يقول الامام على(ع) عن حضور الحقائق لديه سبحانه: (علمها لا باداه لا يكون العلم الا بها، وليس بينه وبين معلومه علم غيره).
يستحيل الاطلاع على الغيب لغير للّه؟ يعتقد البعض ان علم الغيب من مختصات الذات الاحديه، وليس لغيره حتى الانبياء والائمه من علم بالغيب، وهولاء يتمسكون برايهم منطلقين من بعض الايات البينات كقوله تعالى: (وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها الا هو). وقوله سبحانه: (قل لا املك لنفسى نفعا ولا ضرا الا ماشاء اللّه ولو كنت اعلم الغيب لاستكثرت من الخير، وما مسنى السوء، ان انا الا بشير ونذير لقوم يومنون). وقوله عز وجل: (وقل لا يعلم من فى السموات والارض الغيب الا اللّه وما يشعرون ايان يبعثون). الجواب: والحق ان اللّه وحده علام الغيوب وهو وحده المطلع المطلق على خفايا الامور. حتى الانبياء مع علو منزلتهم وقد اصطفاهم اللّه لابلاغ رسالاته، هم ايضا لا يحيطون بالغيب، ذلك ان وجودهم محدود وقدرتهم على احاطه المطلق عاجزه. ولكن الامر لا يعنى ان ابواب الغيب مغلقه فى وجوههم حتى مع اراده اللّه سبحانه وهو مالك الغيب والشهاده. فاطلاع الانبياء على بعض المغيبات جزء من الفيض الالهى الذى اختصه من يشاء من عباده. فالايات السابقه الذكر جاءت لزعزعه فكره خاطئه راسخه فى التفكير الجاهلى والتى تتصور للرسول قدره فاعله وهيمنه على العالم كله، وان الرسول فى هذه الحاله سيدفع عنه الشر ويستكثر من الخير لعلمه الغيبى بهما. ومن هنا نجد النبى(ص) يفند هذا التفكير، ويوكد قدره اللّه المطلقه وانه لا حول ولا قوه الا به سبحانه، وانه لا يعلم الغيب الا اللّه واللّه وحده علام الغيوب.
اللّه يطلع بعض عباده على الغيب: هناك حشد كبير من الايات والروايات ما يوكد هذه الحقيقه فلقد اطلع اللّه بعض رسله على مغيبات لاثبات مصداقيته للناس، كقوله تعالى: (وما كان اللّه ليطلعكم على الغيب ولكن اللّه يجتبى من رسله من يشاء، فامنوا باللّه ورسله). وقوله تعالى: (انه لقول رسول كريم × ذى قوه عند ذى العرش مكين × مطاع ثم امين × وما صاحبكم بمجنون × ولقد رآه بالافق المبين. وما هو على الغيب بضنين). وامام المنطق القرآنى يبقى ان نقول: ان العلم بالغيب علما استقلاليا ذاتيا هو من مختصات اللّه سبحانه، على ان هذا لا يمنع من افاضته على بعض عباد اللّه ممن يشاء هو سبحانه وتعالى. ومن الطبيعى جدا ان يكون هناك نوع من الارتباط بين الرسل وعالم الغيب. والاطلاع على الغيب والمغيبات امر يتناسب مع المستوى الروحى والمعنوى للرسول او النبى، فالانبياء والرسل منازل ومراتب ودرجات.
الفصـل الخامس :
النبى(ع) ومستقبل الاسلام كان الرسول الاكرم(ص) يدرك بوضوح ان امته ستختلف من بعده. فما تزال الروح القبليه مهيمنه على التفكير الاجتماعى فى المجتمع المسلم الوليد. كما ان خلفيات الصراع القبلى الضاربه الجذور فى جزيره العرب ما تزال تلقى ظلالها على المسار المستقبلى للكيان الاسلامى. وقد بشر سيدنا محمد بالتمزق الذى سيتعرض له المجتمع الاسلامى فى قوله(ص) (. . وستفترق امتى هذه على ثلاث وسبعين فرقه واحده ناجيه وسائر الفرق فى النار). ولقد كان محور الاختلاف الذى اعتور مسيره الاسلام قد نجم عن مساله القياده وهويه الحاكم المسلم. واذا كانت هذه المساله من الخطوره بحيث تصبح مصدرا للتصدعات فى الصرح الاسلامى فهل يصبح من المعقول ان يقف النبى(ص) موقف اللامبالاه ازاء هذه المساله مع حساسيتها البالغه. وهل يمكن ان نصدق ان النبى الذى ابدى اعلى درجات الاهتمام بتبشير الاسلام ورفع رايه الدوله الاسلاميه عاليا ان يتجاهل امرا يهدد مستقبلها بالخطر؟! من الموكد ان هذا الموقف لن ينسجم مع سيره النبى(ص) ابدا لقد وقف الخليفه الاول ازاء مستقبل الحكم موقفا معروفا لدى الجميع فلم يغمض عينيه حتى نصب من يخلفه فى اداره الدوله وشوون الحكم. كما وقف الخليفه الثانى ذات الموقف فالف مجلسا للشورى لحسم مساله من سيتصدى للحكم والخلافه بعده.
وفى تلك الاجواء المضطربه والمتزلزله التى اعقبت مصرع الخليفه الثالث اضطر الامام على(ع) لان يتحمل مسووليته فى الحكم ولقد اعرب عن هذه المخاوف فى ارتداد الناس عن دين هم جديدو عهد به فكان تصديه للخلافه شعورا بالمسووليه ازاء مستقبل الاسلام. وامام هذه الحقائق كيف نسمح لانفسنا لان نتصور الرسول(ص) لا اباليا ازاء مساله غايه فى الاهميه؟

ولقد اعلن النبى خليفته فى القياده: كانت مساله الخلافه والقياده احدى اهم وابرز المسائل التى اولاها النبى(ص) اهتماما بالغا، ولم تكن هذه المساله وليده تفكير متاخر فى حياه النبى(ص) بل انها واكبت حياه النبى(ص) فى مراحل الدعوه الاولى. اجل لقد واكبت حياته منذ حادثه الدار يوم دعا النبى عشيرته الاقربين فى مكه، وحتى اللحظات الاخيره من عمره المبارك يوم دعا النبى(ص) وهو يودع الدنيا - المسلمين قائلا: (ايتونى بدواه وكتف لاكتب لكم كتابا لن تضلوا به بعدى ابدا). وكانت هذه الخطوه آخر محاولات النبى(ص) فى تحديد مستقبل الاسلام ولم تات كلماته من فراغ بل انها وليده قلق وهواجس مريره ازاء مسار الرساله الاسلاميه ومستقبل الحكم بعد غيابه. وكما هو معروف فقد اثيرت ضجه فى تلك اللحظات المصيريه واعترض البعض وانفجر جدل كانت بواعثه معروفه، الامر الذى ادى بالنبى(ص) لان يطلب من الجميع مغادره حجرته بعد ان اكد لهم شفها حديث الثقلين واهميته فى مستقبل الاسلام.. ولقد سبقت هذه الحادثه محاوله اخرى فى يوم الثامن عشر من ذى الحجه الحرام عندما اعلن النبى فى قوافل الحجيج العائده وفى منطقه (غدير خم) ان عليا هو خليفته من بعده. وكانت الواقعه فى حينها عيدا للمسلمين فلقد كمل الدين وتمت النعمه ورضى اللّه سبحانه الاسلام دينا للجميع. وقد خلد الشعراء هذه المناسبه منذ ذلك اليوم والى قرون مضت، وادرك الجميع ان الرسول(ص) وهو يعلن عليا وليا انما يريد بذلك ان يكون اميرا وحاكما وخليفه له فى قياده الامه ورياده المجتمع. ولقد اعلن الرسول(ص) ولايه على(ع) مرارا وتكرارا قائلا: (على منى وانا من على.. ولا يودى عنى الا على). والرسول(ص) يعتبر اتباع على انما هو طاعه للّه ورسوله فى قوله(ص): (من اطاعنى فقد اطاع اللّه ومن عصانى فقد عصا اللّه، ومن اطاع عليا فقد اطاعنى ومن عصا عليا فقد عصانى).
منزله على لدى النبى... تقييم عام: لم يعلن النبى(ص) منزله على وموقعه الحياتى فى حركه الاسلام فى يوم غدير خم وحده، وان كان هذا الاعلان اوسع اعلان شعبى وفى مناسبه هامه وحساسه من تاريخ الرساله الاسلاميه. فلقد تبلورت منزله الامام على فى مناسبات عديده كان الرسول(ص) يحاول تجذيرها فى الضمير المسلم ومنذ مراحل الدعوه الاسلاميه الاولى وهذه اشاره الى بعضها:
1 - حديث الدار (يوم الانذار): يوم نزلت على النبى(ص) آيه: (وانذر عشيرتك الاقربين). اذ ذاك امر النبى(ص) عليا ان يدعو اربعين رجلا من اعيان بنى هاشم وبنى عبد المطلب وبنى عبد مناف، ولقد تالقت كرامه النبى فى بركه الطعام الذى اشبعهم ورواهم، حتى اذا سنحت الفرصه للنبى(ص) انبرى قائلا لهم: (انى واللّه ما اعلم شابا فى العرب جاء قومه بافضل مما جئتكم به انى قد جئتكم بخير الدنيا والاخره، وقد امرنى اللّه تعالى ان ادعوكم اليه، فايكم يوازرنى على هذا الامر على ان يكون اخى ووصيى، وخليفتى فيكم؟ فاحجم القوم عنها جميعا وقلت (على): - وانى لاحدثهم سنا - انا يانبى اللّه اكون وزيرك عليه، فاخذ برقبتى ثم قال: ان هذا اخى ووصيى وخليفتى فيكم، فاسمعوا له واطيعوا).
فاذا اخذنا بنظر الاعتبار قوله تعالى فى حق النبى(ص): (وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحى يوحى) ادركنا ان ما حدث يوم الدار وان اعلان النبى(ص) انما جاء بامر اللّه سبحانه، الذى اراد اعلان النبوه والامامه فى يوم واحد. 2 - الخلافه عهد الهى: اشترط الاخنس بن شريف وهو زعيم عربى معروف ان يعلن ايمانه بالنبى والاسلام مقابل تعهد من النبى(ص) بان تكون الزعامه من بعده فى قبيلته، فاجابه النبى(ص): (ان هذا الامر للّه، يختار اللّه له من يراه اهلا لذلك ) وقد رفض الاخنس، وارسل الى النبى(ص): انه لا يقبل ان يتحمل ما يتحمل من هموم الاسلام ثم تكون الامامه والقياده لغيره فيما بعد. ومن هنا نكتشف انه لم يكن يحق للنبى(ص) تقرير مصير الامامه والخلافه الا باذن من اللّه ووحيه. 3 - حديث المنزله: وقد جاء الحديث فى ظروف بالغه الحساسيه وهى الظروف التى ادت بالنبى(ص) الى ان يعلن حاله التعبئه الشامله والزحف بالجيش الاسلامى الى شمال الجزيره العربيه بعد ان وصلت اخبار حول حشود هائله يعدها الرومان بغيه اجتياح دوله الاسلام الفتيه. وقد ترافق هذا الحشد مع انباء حول نيه المنافقين والذين فى قلوبهم مرض فى انتهاز فرصه غياب النبى، والعبث فى المدينه.
وهنا نرى النبى(ص) يختار عليا لاول مره فى اداره المدينه والحفاظ على امنها الداخلى. وقد اشاع المنافقون فى حينها ان النبى(ص) انما استخلف عليا استثقالا له وعزوفا عنه، فاراد الامام ان يضع حدا للشائعات فاسرع نحو النبى(ص) عارضا عليه الالتحاق بالزحف المقدس، وهنا اعلن النبى(ص) كلمته التاريخيه: (يا على: اما ترضى ان تكون منى بمنزله هارون من موسى الا انه لا نبى بعدى؟).
واذا ما تاملنا الايات (29 - 32) من سوره طه وكيف ان اللّه سبحانه قد اجاب طلب النبى موسى(ع) فى وزاره هارون له ليعضده فى امر الرساله ادركنا الموقع الحيوى الذى اراده النبى(ص) لعلى، وهو امر لم يكن عن اراده النبى(ص) الشخصيه لان ارادته انما كانت اراده للّه عز وجل ولذا جاء التاكيد على نقطه جوهريه وردت فى آخر الحديث المذكور وهى ان عليا(ع) يتمتع بكل امتيازات هارون الا النبوه. وهى لم تستثن الا لسبب واحد هو خاتميه النبى(ص) وانتهاء ظاهره النبوه والوحى بوفاته(ص). المناقب الثلاث: كان سعد بن ابى وقاص احد معارضى على(ع) فى خلافته ومع هذا فقد رفض طلب معاويه بن ابى سفيان فى شتم على واعلن انه يتمنى ولو منقبه واحده من ثلاث مناقب كانت لعلى. الاولى: قول رسول اللّه(ص) لعلى: (انت منى بمنزله هارون من موسى ولكن لا نبى بعدى). الثانيه: قول النبى(ص) عشيه سقوط حصون خيبر: (لاعطين الرايه غدا رجلا يحب اللّه ورسوله ويحبه اللّه ورسوله .. كرار غير فرار) الثالثه: يوم المباهله عندما قدم وفد نجران المسيحى يجادل النبى(ص) فى طبيعه المسيح، ونزول آيه المباهله: (قل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل الى اللّه ) فقد خرج النبى ومعه على وفاطمه والحسن والحسين ليباهل بهم وفد نجران. 5 - حديث السفينه: وهو من الاحاديث المتواتره البالغه الدلاله والذى يرويه اهل السنه عن النبى(ص). فقد روى ابو ذر الغفارى ان رسول اللّه(ص) قال: (مثل اهل بيتى فيكم كمثل سفينه نوح، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى). ومعطيات الحديث واضحه جدا فعندما يكون اهل البيت هم بمنزله سفينه نوح التى كانت وسيله النجاه الوحيده من الغرق فى الطوفان الهائل والمصير الحتمى الاسود.. فهذا يعنى ان اهل البيت الطريق الوحيد للنجاه من الانحراف والزيغ والسقوط فى الهاويه.
علامه استفهام: لم يواجه الخليفه الاول معارضه تذكر فى ترشيحه الخليفه الثانى والذى جاء بشكل محدد لا يقبل النقاش بالرغم من عدم بيان المقدمات والخصال التى من شانها تعزيز عهده ذاك.
وامام هذا الحادث ترتسم علامه استفهام كبرى وهى: الم تكن احاديث النبى(ص) حول مستقبل الخلافه والحكم واضحه فى الدلاله على تشخيص هويه الخليفه القادم الذى يعد امتدادا للنبى(ص) فى مساره؟! وهل كانت كلمات الخليفه الاول التى صدرت عنه وهو فى حاله اغماء اكثر دلاله من احاديث النبى(ص) على مدى اكثر من عشرين سنه؟! وهل كان الخليفه الاول اكثر شعورا بالمسووليه من آخر الانبياء فى التاريخ؟! وكيف العمل بفتاوى المذاهب الاربعه وطاعه ائمتها لازمه واجبه فى الوقت الذى لم يرد حتى حديث واحد عن النبى(ص) فى جواز اتباعهم، ثم لا يكون اتباع مذهب اهل البيت واجب مع صريح الاحاديث فى وجوب طاعه اهل البيت.
علما بان احاديث اهل البيت(ع) انما هى امتداد لاحاديث النبى وروايه عنه، بينما المذاهب الاربعه تعكس آراء شخصيه لائمه تلك المذاهب. 6 - حديث الثقلين: يعد حديث الثقلين من اوثق الاحاديث ومن اكثرها اعتبارا لدى علماء الاسلام، وهو يحتل الذروه فى قوه سنده وتواتره. وهو قول الرسول(ص) فى آخريات حياته: (ايها الناس يوشك ان ادعى فاجيب... وانى مخلف فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتى اهل بيتى). وتضيف بعض المصادر ان النبى(ص) قال: (على مع القرآن والقرآن مع على). وتفيد مصادر التاريخ والحديث ان النبى(ص) كان يكرر فى كل مناسبه هذه المعانى، فقد ورد فى كتب التاريخ ان النبى ذكر ذلك فى حجه الوداع فى عرفه وفى المدينه فى مرضه الذى توفى فيه، وفى غدير خم ولدى عودته من الطائف، ويعلق ابن حجر على تعدد المناسبات بانه لا منافاه فى ذلك فى ان يكون النبى قد كرر هذا المعنى لاهميه القرآن وعترته الطاهره. معطيات حديث الثقلين: ان ارساء معادله متوازنه بين القرآن الكريم واهل البيت، يعنى ان القرآن بحاجه الى تفسير هذا اولا وثانيا ان هناك ارتباط بين آل رسول اللّه والقرآن وهو ارتباط وثيق لا يقبل الانفصال. وعلى هذا فان تفسير القرآن بمناى عن اهل البيت سوف يودى الى الانحراف والضلال. ذلك ان اقتران القرآن باهل البيت يعنى انهما يتحركان فى خط واحد وباتجاه غايه واحده، فهناك كلمات اللّه الخالده، الى جانب من يفسر تلك الكلمات. ومن اجل هذا قال النبى(ص): (وانهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض). ويترتب على هذا ان التمسك باحدهما يعنى اقصائهما معا) ومن هنا يمكن ان نكتشف خطوره مقوله: (حسبنا كتاب اللّه) التى اطلقت فى مناسبه حساسه من تاريخ الاسلام. ومن معطيات الحديث يمكن القول ان تعرض احدهما لمصير ما يعنى تعرض الاخر لذات المصير وان هجران احدهما يعنى هجران الاخر ايضا. ومحتوى الحديث يصب فى النهايه فى نتيجه ساطعه وهى عصمه اهل البيت وطهرهم. 7 - التطبيق الوحيد: صرح النبى(ص) بعدد خلفائه فى حديث مشهور رواه الفريقان وهو قوله(ص): (ان خلفائى على عدد نقباء بنى اسرائيل اثنا عشر كلهم من قريش). وامام قوه الحديث سندا ودلاله حاول البعض التعسف فى تطبيق الحديث على مجريات التاريخ فراح ينتقى من هنا وهناك لعد اثنى عشر خليفه فى محاوله لتقديم تفسير للحديث. وقد اخفقت جميع التطبيقات.
كتب الشيخ سليمان القندوزى الحنفى قائلا: (قال بعض المحققين: ان الاحاديث الداله على كون الخلفاء بعده(ص) اثنا عشر قد اشتهرت من طرق كثيره، فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان اعلم ان مراد رسول اللّه(ص) من حديثه هذا! الائمه الاثنا عشر من اهل بيته وعترته، اذ لا يمكن ان يحمل هذا الحديث على الخلفاء بعده من اصحابه لقلتهم عن اثنى عشر. ولا يمكن ان يحمل على الملوك الامويه لزيادتهم على اثنى عشر ولظلمهم الفاحش الا عمر بن عبد العزيز ولكونهم غير بنى هاشم، لان النبى(ص) قال: كلهم من بنى هاشم، فى روايه عبد الملك عن جابر واخفاء صوته(ص) فى هذا القول يرجح هذه الروايه، لانهم لا يحسنون خلافه بنى هاشم، ولا يمكن ان يحمل على الملوك العباسيه لزيادتهم على العدد المذكور ولقله رعايتهم الايه: (قل لا اسالكم عليه اجرا الا الموده فى القربى) وحديث الكساء فلا بد من ان يحمل هذا الحديث على الائمه الاثنى عشر من اهل بيته وعترته(ص) لانهم كانوا اعلم اهل زمانهم واجلهم، واورعهم واتقاهم واعلاهم نسبا وافضلهم حسبا، واكرمهم عند اللّه، وكان علمهم عن آبائهم متصلا بجدهم(ص) وبالوراثه واللدنيه).

الفصـل السادس : حوادث ما بعد النبى(ص) مواقف لا مسووله:
السوال الذى يطرح نفسه بقوه واستمرار هو انه مع كل هذه التاكيدات فى استخلاف على ومع كل ذلك الحشد الكبير من الاحاديث النبويه الشريفه كيف امكن تجاهل وصايا النبى(ص) وبالتالى اقصاء الامام على عن حقه؟!
وتامل فى الحقبه التاريخيه العاصفه التى اعقبت وفاه النبى(ص) تظهر بشكل جلى معالم الجواب. فهناك افراد كانوا يشكلون خطا له طموحاته، فكلما حصل تصادم بين ميولهم ورغباتهم وبين ارشادات النبى(ص) تمردوا وحاولوا توجيه الضغوط لصرف النبى عن افكاره واوامره.
ولقد اشار القرآن الكريم الى هذه الظاهره فى قوله تعالى محذرا: (فليحذر الذين يخالفون عن امره ان تصيبهم فتنه او يصيبهم عذاب اليم). كما ان دراسه الوضع الاجتماعى السائد يومذاك سوف تساعد فى فهم الاسباب التى ادت بالمجتمع الاسلامى الى الانحراف عن مساره المرسوم لتنفجر فيما بعد ازمه الخلافه بشكلها العنيف الموسف.
الحاله الاجتماعيه بعد النبى(ص): تعرض العالم الاسلامى بعد وفاه النبى(ص) الى حاله من الدكتاتوريه والاستبداد، عندما وقف معظم الصحابه فى ازمه حقيقيه فى الاختيار بين (الحقيقه) و (المصلحه) ولقد تغلبت الاهواء وكان تيار المصلحه هو السائد. وقد طرحت المصلحه بادى‏ء ذى بدء فى اطار مصلحه الاسلام والمسلمين وفى الواقع كان الاسلوب تعبيرا عن مصالح قريش فقط. ومع هذا تطورت فكره المصلحه لتنحصر فى (صلاح امر الخلافه) وهذا ما تبلور واضحا فى المجلس السداسى الذى شكل لانتخاب الخليفه الثالث. فقد اسفر الجدل المحتدم وبعد ساعات طويله عن اختيار بين على وعثمان، وكان عبدالرحمن بن عوف هو الرجل الذى سوف يحسم الموقف فتقدم الى على ان يبايعه على ان يسير على سنه الشيخين - الخليفه الاول والثانى - وكان جواب على ان قال انه سوف يسير على سنه الرسول(ص) فقط.
ومن هنا يتضح ان هناك تقاطعا بين سنه الشيخين وسنه النبى(ص). ومره اخرى اختار المجتمع الاسلامى انسانا آخر لا يسير على سنه الرسول(ص). والمساله لم تكن فى طرح سيره النبى فى منهجه وسياسته فى الاداره والحكم بل تتسع لتستوعب مجمل الاحكام والشريعه الدينيه التى جاء بها رسول اللّه(ص)، وهذه نماذج من الانتهاكات التى وقعت فى فتره ما بعد النبى(ص).
نماذج انحرافيه: برزت بعض المواقف الانحرافيه فى مواقف بعض الصحابه فى حياه النبى(ص). ولقد سجل التاريخ بعض تلك المواقف وهذا ما تجسد واضحا فى الحمله العسكريه التى اراد النبى(ص) تجريدها ضد الروم. وقد اكد النبى(ص) على ضروره تجريد تلك الحمله وضروره انضمام بعض الصحابه تحت لواء قائدها الشاب اسامه بن زيد. وكان زيد قد استشهد فى منطقه (موته) فى التخوم الشماليه من شبه الجزيره العربيه. غير ان اولئك الصحابه فضلوا البقاء فى المدينه والتمرد على اوامر النبى الواضحه والصريحه. وبالرغم من ان النبى كان يعانى اشد الالام الا انه خرج - بالرغم حالته الصحيه المتدهوره - متدثرا بقطيفته، فصعد المنبر ليواجه تلك الحاله المرضيه التى المت بالامه وطعنها فى قياده اسامه الشاب اذ قال النبى(ص): (ايها الناس ما مقاله بلغتنى عن بعضكم فى تاميرى اسامه ولئن طعنتم فى تاميرى اسامه لقد طعنتم فى تاميرى اباه من قبله. وايم اللّه ان كان لخليقا بالاماره وان ابنه من بعده لخليقا بها).
وقد تقدم عمر بن الخطاب الى ابى بكر بعد تولى الاخير الخلافه فى ان يقيل اسامه من منصبه كقائد عسكرى. وسنستعرض هنا بعض الانتهاكات الى حدثت بعد وفاه النبى(ص): 1 - المجزره التى نفذها خالد بن الوليد بحق (مالك بن نويره) وافراد قبيلته ثم اغتصاب زوجته فى نفس الليله، وقد امتنع الخليفه الاول عن معاقبه خالد على تجاوزاته بالرغم من اصرار عمر فى ذلك اذ برر الخليفه الاول تصرفات خالد بانه اجتهد فاخطا. كما اعتبر سيفه سيفا الهيا لا ينبغى اغماده!! 2 - تحريم المتعه وكان تشريعا الهيا عمل به فى زمن النبى حتى اذا جاء عمر بن الخطاب الى الخلافه اعلن تحريمه للمتعه وسن لها عقوبه كعقوبه زنا المحصن وهى الرجم. وقد اعلن تحريمه لها صراحه فى قوله: (ثلاث كن على عهد رسول اللّه وانا انهى عنهن واعاقب عليهن: متعه النساء ومتعه الحج، وحى على خير العمل). 3 - الطلاق: وكان على عهد النبى(ص) وخلافه ابى بكر وثلاث سنوات من خلافه عمر: ان الرجل اذا طلق زوجته فى مجلس واحد ثلاث مرات دون رجوع عد الطلاق بهذا الشكل مره واحده، ثم اعلن سيكون ثلاث مرات!! 4 - خلق حاله من التمايز الطبقى: اذ اقدم الخليفه الثانى على الغاء المساواه فى العطاء وايجاد تمايز فى ذلك انطلاقا من اعتبارات فى زمان اعتناق الاسلام، واعتبارات قبليه وعنصريه. فقد منح السابقين الى الاسلام امتيازات فى العطاء كما فضل قريش على سائر العرب، وفضل العرب على العجم والموالى ويجد المرء شروح مفصله فى بعض المنابع التاريخيه. وقد التفت الخليفه الى النتائج المريره التى تمخضت عن سياسته الماليه واعلن عن عزمه على التراجع اذا ظل حيا ذلك العام. 5 - تعطيل حكم القصاص بعد ان اقدم عبيداللّه ابن الخليفه الثانى على قتل (الهرمزان) وهو امير ايرانى بحجه تحريضه على قتل عمر الذى اغتيل على يد غلام المغيره بن شعبه.
وعندما طولب الخليفه عثمان بتنفيذ حكم القصاص بالقاتل(عبيداللّه) اعتذر عن ذلك وانه لا يستطيع قتل من قتل ابوه بالامس.
خلق حصانه مطلقه للخلفاء: اصبحت الخلافه آنذاك منصبا حكوميا يخول صاحبه اجراء تغيير فى اسس الشريعه كما يمنحه صلاحيات واسعه فى سن قوانين فرعيه جديده. وفى تلك الفتره برزت فكره الاجتهاد كحق مسلم للصحابه فالصحابى يتصرف وفق رويته الشخصيه فان اصاب فبها وان اخطا فلا يخضع لعقوبه القانون. بل اصبحت لفكره الاجتهاد ثوابا مطلقا حتى فى حاله الخطا اما فى حاله الصواب فله اجر مضاعف!! ومن هنا بدا التاسيس لنظريه عداله الصحابه من خلال دس روايات كاذبه على النبى من قبيل الحديث المزعوم: (اصحابى كالنجوم بايهم اقتديتم اهتديتم).
هل توجد ضمانات قرآنيه فى عداله الصحابه؟ ان تمجيد القرآن الكريم لمواقف سابقه لبعض اصحاب النبى لا يعنى طهرهم من كل انواع الانحراف والفساد على مدى حياتهم، ذلك ان رضا اللّه والسعاده الابديه ستكون من نصيب من استمر فى ايمانه وفى عمله الصالح، ولقد خاطب القرآن الكريم النبى(ص) بقوله: (لئن اشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين). وهو ذات الخطاب الذى وجه الى ابراهيم(ع) وذريته: (وتلك حجتنا آتيناها ابراهيم على قومه... ووهبنا له اسحاق ويعقوب وكلا هدينا ونوحا من قبل ومن ذريته داود وسليمان... وكلا فضلنا على العالمين × ومن آبائهم وذرياتهم واخوانهم واجتبيناهم وهديناهم الى صراط مستقيم × ذلك هدى اللّه يهدى به من يشاء من عباده ولو اشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون). كما ان التاريخ قد سجل عكس ما ترمى اليه نظريه عداله الصحابه، وهناك مئات بل آلاف الشواهد على انحراف بعض الصحابه. وهذه كتب الحديث تزخر بعشرات الاحاديث فى هذا المضمار وفى طليعتها احاديث الحوض. منها ما رواه ابن عباس عن النبى(ص) فى قوله: (... وان اناسا من اصحابى يوخذ بهم ذات الشمال فاقول: اصحابى؟.. اصحابى؟ فيقول: انه لم يزالوا مرتدين على اعقابهم مذ فارقتهم. فاقول: كما قال العبد الصالح: (وكنت عليهم شهيدا مادمت فيهم فلما توفيتنى كنت ان الرقيب عليهم). كتب التفتازانى يقول: (ان ما وقع بين الصحابه من المحاربات والمشاجرات على الوجه المذكور المسطور فى كتب التواريخ والمذكور على السنه الثقات ، يدل بظاهره على ان بعضهم قد حاد عن طريق الحق، وبلغ حد الظلم والفسق. وكان الباعث له الحقد والعناد، والحسد واللداد، وطلب الملك والرئاسه، والميل الى الملذات والشهوات، اذ ليس كل صحابى معصوما، ولا كل من لقى النبى بالخير موسوما). ان منح الصحابى حاله من القداسه وعذره فى كل موقف وتصرف وتفسير ذلك بالاجتهاد الذى يثاب عيه اخطا ام اصاب، قد فتح الباب على مصراعيه امام التجاوزات والانتهاكات، وجرا الكثيرين من اصحاب الطموح والعقد الدفينه ليحققوا كل ما تصبو اليه نفوسهم باسم الاسلام من امثال: معاويه وعمرو بن العاص وخالد بن الوليد، والمغيره بن شعبه، وسعيد بن العاص وبسر بن ارطاه. وفى هولاء من تمرس فى القتل والارهاب والوحشيه.
او لم يمرق (حرقوص بن زهير) من دين اللّه وكان صحابيا؟! او لم يقل رسول اللّه فيه: (انه يمرق عن دينه كما يمرق السهم عن رميته)؟ فكان مصيره الاسود ان يكون من زعماء الخوارج الذين عاثوا فى الارض الفساد. وعبداللّه بن جحش نموذج آخر فلقد كان من المسلمين المهاجرين الى الحبشه، فارتد عن دين الاسلام واعتنق النصرانيه، ومن هنا فليس هناك من ضمانات عن استمرار رضا اللّه الا باستمرار الايمان وتداومه فى قلوبهم. فالانحراف والضلال وارتكاب الاثم سوف يذهب بالاعمال الصالحه كرماد اشتدت به الريح فى يوم عاصف.
ايقاف النشاط الفكرى: ومن الظواهر التى برزت بعد وفاه النبى(ص) توقف النشاط الفكرى ومصادره الحريه والوقوف بوجه البحوث العقليه.
فقد شهدت فتره صدر الاسلام وخاصه فى عهد الخليفه الاول والثانى تجميدا لهذا الجانب الثقافى، واعتبار ذلك جزء من البدع. فقد سجل التاريخ ان احدهم ناظر الخليفه الثانى، مما دفع بالاخير الى ان ينهال عليه بالسياط حتى ادمى جلده. كما ورد بان الخليفه الثانى فسر آيه فى القرآن الكريم تفسيرا يوحى بمفهوم الجبر، فاعترض عليه احدهم فتهدده الخليفه بالقتل لولا ان تدخل بعض من حضروا الواقعه وهدا من روع الخليفه. ولقد ادت هذه الاجراءات الى شل الاساليب العقليه فى الاستدلال واضعاف الاسس المنطقيه لعلم الكلام، وتهمشيه ومن ثم انحصار اساليب اثبات العقائد فى التقليد والاجماع الذى لا يعنى فى الواقع اجماع الامه بل اجماع قطاع من علماء فرقه ما. وهكذا اصبح لكل فرقه اجماعها فى اثبات عقائدها.
وبهذا تهمشت الادله الحقيقيه التى تتجسد فى منطق العقل ومعطيات الكتاب والسنه. نتائج الوضع الاجتماعى بعد النبى(ص): كان للاتجاه الذى اعقب وفاه النبى آثاره المريره فى الامه الاسلاميه وهذه اشاره الى ابرزها: الف : زوال قداسه النظام الاسلامى: كان المحور العام للمصالح الاسلاميه منحصرا فى اطار الكتاب والسنه الشريفه، فطرات المصلحه الانيه لتعلب دورها فى الحياه الاجتماعيه متقدمه على الكتاب والسنه، ليتخذ النظام الاسلامى شكل النظام الاجتماعى المادى.
وقد ظهر هذا واضحا لدى احلال مصلحه الحاكم والخليفه بدل مصلحه الاسلام والمسلمين. فتكون المصلحه وفق رويه الخليفه الشخصيه، حتى لو اصطدمت مع سنه النبى(ص)، عندئذ يكون الخليفه قد اجتهد فى رايه. ومن هنا تزعزعت اسس النظام الاسلامى، حتى اننا نرى الخلفاء الاربعه الاوائل وكل منهم لديه اسلوبه فى الحكم. ولما وصل الدور الى معاويه كانت الحاله اشبه ما تكون بانقلاب عسكرى واطاحه بالنظام الاسلامى ليحل مكانه نظام دكتاتورى غاشم. لقد كان هناك تشابه فى سياسه الخليفه الاول والثانى ثم جاء الخليفه الثالث فكان له نهجه الخاص، ثم اعقبه الخليفه الرابع فكانت له سياسه تختلف عن الجميع. واما سياسه معاويه فكانت اقرب الى سياسه الاباطره والملوك المستبدين. وقد اسفر الوضع واضافه الى الانحراف فى النظام السياسى الى نتيجتين: الاولى: ظهور الطبقيه فى المجتمع والتى حاول الاسلام تذويبها نهائيا. الثانيه: انصراف الجهد الحكومى الى التوسع وتعزيز السلطه والسيطره وعلى حساب جميع اهداف الاسلام العليا فى تربيه الامه وتكامل المجتمع .
ب : تغيير الاحكام الاسلاميه: وقد اشير الى نماذج فى هذا المضمار. ج : منع حركه التدوين وزوال سنه النبى(ص): يمكن القول ان حركه تدوين الحديث قد بدات فى حياه النبى(ص)، وكان(ع) يشجع اصحابه على حفظ وتدوين الحديث النبوى. وما حصل بعد وفاه النبى ان الموسسه الحاكمه قد تصدت بعنف الى حركه التدوين وحاربتها دون هواده. وقد استمر الوضع على هذه الوتيره حتى اخريات العهد الاموى. فقد اقدم الخليفه الاول على جمع الحديث النبوى ومن ثم اضرام النار فيه وجاء الخليفه الثانى ليصعد الحاله فتصدى بشده وتهدد المخالفين باقسى العقوبات. ونتيجه لذلك ضاع معظم تراث النبى(ص) بوفاه معظم الصحابه وبالتالى فتح الباب على مصراعيه امام حركه مضاده وهى تزوير الحديث ووضعه، وقد راجت هذه السوق فى زمن معاويه الذى انفق اموالا طائله فى هذا الاتجاه الخطير. وقد اتجه نقل الاحاديث اتجاها خطيرا كان معاويه قد حدد معالمه ضمن خطط واهداف وغايات مرسومه، فقد شجع معاويه على نقل الاحاديث واختلاقها فى ما يخص مناقب الخلفاء الثلاثه، والتركيز بشكل خاص على الخليفه الثالث لاعتبارات قبليه محضه. فى نفس الوقت الذى سن فيه عقوبات قاسيه بحق كل من يذكر منقبه لعلى بن ابى طالب او على حد تعبير السلطه آنذاك: لابى تراب. وهكذا اتجهت حركه الحديث اتجاها بعيدا عن الشريعه وراحت تدور وتدور فقط حول تمجيد الخلفاء الثلاثه. فمن مجموع اثنى عشر الف صحابى عاشوا بعد النبى ما يقرب القرن من الزمن لم ينقل التاريخ عنهم سوى خمسمئه حديث فقط فى الفقه وكمعدل لحجم الاحاديث يشترك كل اربعه وعشرين صحابيا فى نقل حديث واحد! وقد وصلت الامور حدا موسفا عندما نفتقد لبعض سنن النبى(ص) سندا اكيدا فى مسائل يوميه تتكرر مرات فى اليوم الواحد مثل مساله الوضوء والصلاه. فما يزال الاختلاف والغموض والتضاد بين المذاهب فى هذه المسائل قائما حتى اليوم. ولا يوجد مذهب واحد يمكنه ان يقدم دليلا مسندا لارائه فى هذه القضايا وحسم الموقف فيها. هذا مع التاكيد على ان الاوضاع الاجتماعيه الموسفه التى تعرض لها المجتمع الاسلامى لا تنحصر فيما مر آنفا.

2 Comments:

Blogger Unknown said...

ngomong-ngomong ini artinya apa ya ??

7:07 PM  
Blogger Unknown said...

This comment has been removed by the author.

7:07 PM  

Post a Comment

<< Home